أبريل 19, 2025

السودان-أخبار الساعة: البقرة المسحورة.. من أجندة السياسة والإحتراب إلى أجندة السلم الاجتماعي والاقتصاد.. (٣-٥)

Spread the love

السودان-أخبار الساعة:

صهيب حامد

لقد ناقشنا في الحلقة السابقة الأخطاء العظمى التي ارتكبتها الإنقاذ بدارفور مما أدى بنا إلى ما نحن عليه الآن. وكما اسلفنا فلقد جيشت الإنقاذ أولا أبناء الوطن ضد بعضهم البعض مستفيدة من التناقضات الاجتماعية والإقتصادية بين المكونات المختلفة، ذلك أولا ثم إنها ثانيا مارست أكبر عملية تهاون في التعامل مع ملف الأمن القومي السوداني فسلًمت قوة مشاتها الميكانيكية الأكبر في البلاد (تسليم مفتاح) للمركز الخليجي مقابل المال للعمل كمرتزقة (للأسف الشديد) . الأمر الثالث انها فتحت الباب أمام الأجهزة الاستخبارية العالمية لجمع قاعدة البيانات الأضخم عن القطاع الأخطر (القطاع الرعوي) ثم رغم كل ذلك كانت تتعشم في الإستمرار في حكم السودان عبر الرجل الذي ارتكب كل تلك الموبقات (عمر البشير) .. يا للغفلة!!!!. ولكن للأمانة فإن ما اعترى مسلك الإنقاذ في التعامل مع ملف دارفور أكبر كثيرا من الغفلة، والا فكيف لإقليم مثل دارفور أنجب للحركة الإسلامية أنجب قادتها أن يتسلل من بين أيديها تسلل الماء في ثنايا غربال؟.. إذ يبدو أن حركة سياسية تعج بالأكاديميين والمثقفين والمتعلمين لم تبذل لا علما ولا ثقافة ولا جهدا أكاديميا لمقاربة الملف الأخطر في السودان!!! . وصارت أي الحركة الإسلامية في هذا الصدد مثلها كحزب الأمة بلا دربة حركية ولا ديناميكية سياسية وتنظيمية وقد تعاملت في هذا الملف بمنهج التشاشة (امسك لي واقطع ليك) هكذا نجر ناشف إلى أن كال التراب حماد!!!.
سؤال مفصلي.. كيف إلتقى الفرقاء (دولة المركز في السودان وأعداؤها الغربيين) في دعم نمط الرعوية المفتوحة في السودان رغم كونه نمط يؤثر في نظامية ملكية الأرض (land tenure) ونظامية المحاصيل الحقلية (crop farming) ؟.. بالنسبة لمركز الدولة في السودان فهذا النمط وإنطلاقا من أيديولوجية المركز ومصالحه السياسية فهو يضمن إخضاع العناصر غير العربية وذلك بتدمير نظام الحواكير مما إضطر هذه الفئات للنزوح إلى الحواضر الكبرى (معسكرات النزوح) وبذا تفقد هذه الفئات قوتها بفقدانها لأرضها وهو عين ما حدث بدارفور أو كردفان.لقد تمت عبر ذلك أكبر عملية إحلال ديمغرافي تدريجي سوف يدفع مركز الدولة السودانية الجديد بعد الحرب دم قلبه كي يعكس إتجاهه (to reverse the context) ولكل دور إذا ما تم نقصان!!. ذلك بخصوص المركز العروبي السوداني وأهدافه.. إذن ولكن ما هي أهداف المحور الغربي في دعم نمط الرعوية المفتوحة؟.. أولا ليس من مصلحة الغرب حدوث أي تطور اقتصادي يقوده هذا القطاع الرعوي في حال التحول لنمط الرعوية المستقرة، ثم ثانيا أن هذا النمط هو وحده ما يضمن استمرار النزاع في السودان مما يشغله (أي السودان) من التأثير على دول المحيط الإقليمي له والتي لها أهمية استراتيجية للغرب عموما وفرنسا وأمريكا على وجه الخصوص.إذن فلقد مارس الغرب وحليفه المركز الخليجي ما يسمى باستراتيجية التطويق العكسي وهي إستراتيجية تستهدف حصار العدو من داخل صندوقه القتالي أو الأرض التي يسيطر عليها. لقد نجحت خطة تطويق مركز الدولة العروبي باستخدام حليفه التقليدي ممثلا في الحواضن الرعوية في كردفان ودارفور والوسط وهو ما ينم عن إحاطة كاملة بأرض المعركة وسياقها الإجتماعي والتاريخي الأمر الذي تم عبر عديد مسوح العمق والدراسات (In-depth studies ) التي للأسف سمحت الإنقاذ لعدوها بإجرائها على مسمع ومرآ منها.. ولله في خلقه شئون!!.
لقد أحكمت الخطة إذن للسيطرة على بلادنا، أولا بإسقاط الإنقاذ بالتواطؤ المدني العسكري ومن ثم استخدام هذه الديقلوشيا (Diglossia) المدنية العسكرية لتسليم السودان تسليم مفتاح لهذه القوى بعد تفكيك الجيش السوداني . بالتوازي مع ما تم في تطويق المركز عبر الحزام الرعوي وممثله (الدعم السريع) ، اقول بالتوازي كان هناك حراكا استخباريا عميقا ومتأنيا في وسط القوى المدنية السودانية إبتداءا من توقيع اتفاقية السلام الشامل (٢٠٠٥) إلى العام ٢٠١٩. للغرابة فلقد كان يقود هذا العمل أيضا د. عبد الله آدم حمدوك عبر منظمة (آيديا)!!!.لقد تم تدريب كافة المعارضين للإنقاذ من سياسيين وغيرهم داخل وخارج السودان بإشراف مباشر من هذا الرجل الذي رعى كل من منظمة الديمقراطية اولا (م. مهيد صديق ومعز عبد الوهاب) التي كان دورها التدريب السياسي لكافة النشطاء المعادين للإنقاذ، إلى جانب طيبة برس (محمد لطيف وفيصل محمد صالح) لتدريب الإعلاميين والصحفيين لنفس الهدف. لقد قدمت الرجل الأول لأنه مثال آخر للاختراق حيث كان يكفي أن تكون قريبا أو نسيبا للرئيس البشير كي تجد الأبواب مشرعة لك في أي زمان وأي مكان في الدولة السودانية وهو عين ما كان يحدث لهذا الرجل الذي كان غواصة حزب المؤتمر السوداني والمعارضة في منزل الرئيس شخصيا!!!. لقد استمر جهد الاستثمار في محاولة إسقاط الانقاذ إلى أن تحقق الحلم في أبريل ٢٠١٩، وهكذا كي تخلو الدولة السودانية لوجه المؤامرة (المركز الخليجي وشركائه).
أمر يجب أن يقال.. ورغم قناعة هذا الكاتب بخطل مسلك الإنقاذ الذي دفعها لارتكاب عديد الموبقات (والتي فصلنا فيها أعلاه) ، ولكن من يد فالإنقاذ أطهر مسلكا مقارنة بمن حكموا بعدها.. فهي لم تتآمر على السودان مع أعدائه ولم تتقصد تسليم موارده الثمينة لهم.. لم تتواطأ مع الجلادين الذي أذاقوا شعبنا الأمرين.. لم تقف مكتوفة الأيدي وشعبها يتعرض َ للغزو والاحتلال بعكس عدوها السياسي (قحت) الذين أصبحوا عملاء للجلاد الأجنبي والمحلي، يدافعون عن مصالحه، يترحلون بماله، ثم يريدون الآن تشكيل حكومة منفى في عاصمته لتكون طوع بنانه وتحت إمرته.. يا لعار من يضعه التاريخ مضطرا للعب هذا الدور البئيس الرخيص فأسوأ أنواع الجحيم قطعا محجوز لهؤلاء !!!. ولكن إن برأنا الإنقاذ من كل ذلك فلن نبرأها من ارتكاب الموبقات التي أوردنا والتي يتوجب بسببها أن تقدم كتاب مراجعتها وإعتذارها للسودانيين قبل أن تفكر في حكمهم مرة أخرى.
إن إشكال الإسلاميين البنيوي ومقتلهم الذي أضعف قدراتهم الفكرية والسياسية وأدخلهم في دوامات التخبط التي لم تنتهي إلى يوم سقوطهم هو مفاصلتهم في العام ٢٠٠٠م. لقد أثرت المفاصلة تأثيرا كبيرا في كافة مفاصل الحزب والدولة ونقصت من قدراتهم وارتكست بمؤسساتهم الرسمية والحزبية. لكن أكثر ما أثرت هذه المفاصلة هو أثرها على الملف الدارفوري إذ إنحاز الكادر الحركي الدارفوري لجانب د.حسن الترابي (المؤتمر الشعبي) حيث يبدو أن أصل الصراع الذي بسببه تعطل البرلمان وجمدت التعديلات الدستورية التي أجازها قد فهمها أبناء دارفور في الاروقة التنظيمية بأنها استقصاد مباشر لمصالحهم وادوارهم في الإنقاذ وهو ما حدى بالجزء الأكبر منهم الخروج النهائي عن الدولة ثم محاربتها (حركة العدل والمساواة) بقيادة د. خليل إبراهيم. لقد أثر هذا الانقسام بشكل كبير في كفاءة الإنقاذ لإدارة ملف دارفور حيث تفاقم الوضع هناك مذاك وهو ما حدا بالمركز في الخرطوم التورط المريع في الاستعانة بإعداء هذه العناصر المنقسمة من الطرف العرقي الآخر (الحزام الرعوي) وهو ما اوصلهم اولا الى محطة المحكمة الجنائية الدولية التي وضعتهم في مواجهة المجتمع الدولي ومؤسساته العدلية ثم اخيرا الارتكاس في أحضان المركز الخليجي الذي اوحلهم في حرب اليمن بعيدا عن وسطهم الحيوي (إيران وتركيا وقطر) ثم الاستفراد بهم في إحدى أكثر سخريات التاريخ طرافة بعد أن سحب منهم حليفهم الداخلي الأصم (الدعم السريع كممثل للحزام الرعوي) ثم الذهاب بهم لمزبلة التاريخ في أبريل ٢٠١٩ ولله المثل الأعلى.. نواصل