نظرية الدوائر الثلاث.. مقاربة استراتيجية لحربنا مع الجنجويد(١_٣) . صهيب حامد
نظرية الدوائر الثلاث.. مقاربة استراتيجية لحربنا مع الجنجويد(١_٣) .
صهيب حامد
مثل أمريكي يقول أن الله يرعى الأطفال والسكارى والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يبدو ايضاً أن لجيشنا من رعاية الرب نصيب فكل المؤشرات تؤكد أن المؤامرة المحبوكة بدهاء خبيث كادت أن تؤتي أكلها، فلولا عناية الرب لكان آل دقلو اليوم ومن خلفهم دويلة الشر الآن يضعون رجل على رجل فوق عرش الأمارة التي يحلمون بحكمها في بلادنا!! . للفيلسوف ألالماني شوبنهور مقولة وهي أن الحواس تعكس تمثلات الحقيقة وليس الحقيقة نفسها، وذلك لأن الحواس غير معدة لعكس إرادة وجوهر الأشياء وحقيقتها، فالشمس التي نراها ليست الشمس وإنما هي صورتها قبل ثمانية دقائق وهو الزمن الذي يستغرقه الضو للوصول إلى شبكية أعيننا نحن القاطنين في كوكب الأرض. مثلا فإننا حين ننظر للجنجويدي ونظن انه الفاعل الاول فتلك ليست كل الحقيقة، فنحن لا نرى حين تقع على شبكيتنا صورة ارتال الجنجويد أقول لا نرى الإرادة الأولى الثاوية خلف ذلك وهي دويلة الشر القاتل الحقيقي والعالم يدري ذلك بل ويدري انه يدري. ففي إطار المقاربة الاستراتيجية لهذه الحرب فإن ما يحدث أمام أعيننا في ثنايا هذه الحرب هو تأثير ثلاث دوائر تتألف من دول وكيانات إقليمية ودولية. الدائرة الأولى تشكل الدول المحيطة بالسودان والتي اخضعتها دويلة الشر كلياً أو جزئياً لصالح استراتيجيتها أو تم تحييدها من قبل الجيش السوداني. دول الدائرة الثانية وهي دول ذات تأثير إقليمي و لها مصالح بالسودان ولكنها لا تقع في محيطه المباشر سواء بأفريقيا أو الشرق الأوسط عموما. اما الدائرة الثالثة فهي دول التأثير العالمي أو ال (Superpowers) والتي لها مصالح بالسودان أو يؤثر السودان على مصالحها بشكل مباشر أو غير مباشر.في إطار تحليلنا لموقف دول الدائرة الأولى، وهي الدائرة التي يطغي على بعضها فقدان الإرادة إزاء دويلة الشر وصارت تمثلا لما تريده هذه الدويلة التي تمتلك ناتجا محليا إجماليا يبلغ ٥٥٠ مليار دولار سنويا مقابل ٨ مليون من السكان (أقل من مليون وطنيون أقحاح) وتتوفر على أكبر الصناديق السيادية في العالم وأموال غسيل وضعتها رهن إشارة مطلوبات حربها في السودان. دول هذه الدائرة هي مصر وتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا حفتر وليبيا طرابلس وجنوب السودان وإثيوبيا وارتيريا. مصر وجنوب السودان وإثيوبيا وارتيريا هي ما يمكننا تسميتها بدول الرشد السياسي والسيادي إذ تتحرك من واقع مصالحها القومية حتى وإن تمكنت الدويلة شراء بعض الجيوب بها ولكن يتم تغليب المصلحة القومية في نهاية يومها (at the end of the day ) . تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا حفتر هي دول ثقاب الكبريت اي دولا لا تفكر في مصالحها القومية الا بقدر ما تعمر شعلة ثقاب (يضيء للحظة ويموت). فلقد تلاعبت الدويلة بهذه الدول الثلاث فجعلت من حفتر مركزا لتدريب وتجميع المرتزقة ثم إرسالهم إلى السودان إلى جانب إمداد بعض العتاد من هناك رغم طول خط الإمداد مقارنة بتشاد وهو دور لم تزل تلعبه ليبيا حفتر. اما تشاد فلقد جعلت منها الدويلة أكبر مركز إمداد في العالم بالأسلحة انطلاقا من ََمطار ام جرس إلى جانب لعبها دور تجميع الإمداد البشري حيث قام الرئيس التشادي بأكبر عمليات قتل يمكن أن يقوم بها شخص ضد أهله (الزغاوة). لقد صنع محمد كاكا لنفسه موجه من الكره وسط أهله الزغاوة لقبوله القيام بدور الالعوبة لتحقيق أهداف الدويلة وهو ما يجعله يمسك قلبه كلما سمع بتقدم الجيش السوداني والمشتركة هذه الأخيرة التي قوامها أهله الزغاوة المتحالفين مع الجيش السوداني.اما أفريقيا الوسطى فهي تعاني نفس الهشاشة إزاء الدويلة. لقد آثرت هذه الأخيرة أن تعطي السودان بعض التطمينات عبر لقاء قمة في نيويورك إبان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا ولكن الأمر في المنتهي يحسمه أمران وهما اما قوة دولارات الدويلة أو قوة سلاح الجيش والمشتركة اللذان ارتقى أدائهما مؤخرا بدارفور ومن لم يهده عقله فبالصارم الفتاك. بصدد تحليل الموقف المصري فلقد سايرت هذه الأخيرة الإمارات وأظهرت تباينا في مواقفها من الجيش السوداني تحت ادعاء دور للإسلاميين إلى جانب الجيش حتى تقاضت الاخيرة ٣٥ مليار دولار (صفقة رأس الحكمة) لتعود بعدها للموقف الذي تقتضيه مصالحها القومية وتبين أن هذا (السيسي) داهية لا يدانى يصيد مع البازي ويهرب مع الطرائد، ولا (قشة مرٓة) له لا مع الإسلاميين ولا الشيطان الرجيم حين يحين أوان دفع استحقاق المصالح المصرية العليا وخير مثال دعمه لحماس وتغطيته على كافة خططها ضد إسرائيل في الخفاء رغم قسمه باغلظ الإيمان أمام إسرائيل أن مصر ليس فحسب أمينة لمعاهدة كامب ديفيد ولكنها كامب ديفيد نفسه بالف ولام العهد. إن الدور الذي لعبته مصر في دعم الجيش السوداني لا يدانيه الا دعم الشعب السوداني نفسه لجبشه، وهل هناك حساب بين أبناء الوادي؟!!. أما بخصوص إثيوبيا فلقد حاولت الدويلة التلاعب برئيس الوزراء أبي أحمد ولكنه خاف الرمال من تحت رجليه. تتقاذف الرجل اليوم أربعة أمواج من الرمال المتحركة ، الأولى جبهة فانو التي تطلب رأس الرجل على مرمى حجر من أديس، الثانية جبهة التقراي التي تقف ناظرة إلى الرجل ماذا هو فاعل بجلد النمر الذي قتلوه سويا بمنح جزء من إقليم الامهرا للتقراي، ثم جيش تحرير الارومو (OLA) الذي يخاشن أديس حول بعض الإصلاحات الإقليمية. أما الموجة الأعتي والأخطر فهي حربه مع دولة الصومال بعد أن رسم الرجل خططه لإقامة ميناء إثيوبي على أرض الصومال (Sumaliland) التي تعدها مقديشو جزء من سيادتها وهرول الجيش المصري بقضه وقضيضه لدعم مقديشو عتادا وعدة. إذن من هنا نفهم لماذا هرول الرجل إلى بورتسودان مستفردا بصديقه القديم الفريق اول عبد الفتاح البرهان مطمئنا اياه وهو يضع يده على الإنجيل في كل المسافة بين المطار والمدينة ولا ندري بأي رطانة قد أقسم في أطول عملية قسم من نوعها على كتاب مقدس شمال خط الاستواء. أبي أحمد يعلم كيف أن المخابرات السودانية يمكنها أن تلعب بتناقضات الهضبة الإثيوبية وهي اللعبة التي تجيدها حتى قبل أن تنجب جدته أبيه. بالفعل ليس للرجل ما يفعله من أجل الدويلة وفق وضعه الذي لا يحسد عليه، وهكذا كي تتجشم قوات المليشيا مشاق التمدد جنوبا أملا في الوصول للحدود الإثيوبية بلا طائل في انتظار فتح حدود لن تفتح لا الأن ولا في اي وقت قريب ولا بعيد. جنوب السودان قد يحيد بعض مسؤوليها ذوي الولاء لجيوبهم احيانا ولكن في نهاية يومهم يعودون للرشد الذي يمثل مصالحهم القومية خصوصا وأن مرور بترولهم إلى بورتسودان مرهون بسلوكهم الحسن إزاء هذه الحرب ومال بترولهم ابرك واوفر من مال المافيا بكثير خصوصاً وأن ملف أبيي سوف يكون أكثر سخونة على دولة الجنوب إن تمكنت المليشيا مهما منحت الدويلة الساسة بجوبا التطمينات. اما أسياسي افورقي بخبرته وحنكته التي تتجاوز حكام المنطقة طرا فهو الأكثر ارتياباً بين القادة من سلوك رئيس الدويلة ويتمنى أن يرى الموت قبل أن يرى ارتال الجنجويد قرب حدوده مع السودان. ذلك ما يمكن قوله عن الدائرة الأولى ولكن الموقف هنا مرهون بما تفعله دول الدوائر الثانية والثالثة إزاء الحرب في السودان فالرهان الاستراتيجي يكمن في هاتين الدائرتين وهو ما سنقوم به في الحلقة القادمة ولله المثل الأعلى.